فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْمِائَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس بعد التسعين:

عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جلس عَلَى رجله الْيُسْرَى وَنصب الْيُمْنَى فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة قدَّم رجله الْيُسْرَى وَنصب الْأُخْرَى وَقعد عَلَى مقعدته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك.

.الحديث السَّابِع بعد التسعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر أَو الْعَصْر فَلم يجلس فسبح النَّاس بِهِ يَعْنِي فَلم يعد فَلَمَّا كَانَ آخر صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وستعلمه فِي بَاب سُجُود السَّهْو- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

.الحديث الثَّامِن بعد التسعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض أَصَابِعه كلهَا وَأَشَارَ بإصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى». وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرفع أُصْبُعه الْيُمْنَى الَّتِي تلِي الْإِبْهَام فَدَعَا بهَا، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى باسطها عَلَيْهَا». وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا قعد فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وَعقد ثَلَاثًا وَخمسين وَأَشَارَ بالسبابة».

.الحديث التَّاسِع بعد التسعين:

عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه كَانَ يقبض الْوُسْطَى مَعَ الْخِنْصر والبنصر، وَيُرْسل الْإِبْهَام والمسبحة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَلَى هَذِه الصُّورَة، والرافعي قلد فِي ذَلِك صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ كَذَلِك، وَهُوَ قلد شَيْخه القَاضِي أَبَا الطّيب، وَأَشَارَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه أَيْضا إِلَى غرابته وَقَالَ: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره عَنهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح أَنه قَالَ: «وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وكفه الْيُسْرَى عَلَى ركبته اليسري وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ» وَكَذَا قَالَ ابْن الفركاح فِي إقليده: لَا يكَاد قبض الْأَصَابِع يثبت فِي حَدِيث أبي حميد، وَإِنَّمَا لَفظه «وضع كَفه» كَمَا تقدم، وَلَا تعرض لإرسال الْإِبْهَام وَلَا لقبضها. وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ أسقط هَذَا الحَدِيث من تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب بِالْكُلِّيَّةِ.
فَائِدَة: أَبُو حميد- بحاء مَضْمُومَة- اسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ من سَاعِدَة، بطن من الْأَنْصَار مدنِي، مَاتَ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة.

.الحديث المِائَة:

عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحلق بَين الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظ أبي دَاوُد عَن وَائِل قلت: «لأنظرن إِلَى صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَكبر فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حاذتا بأذنيه، ثمَّ أَخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع رفعهما مثل ذَلِك، ثمَّ وضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما مثل ذَلِك، فَلَمَّا سجد وضع رَأسه بذلك الْمنزل من بَين يَدَيْهِ قَالَ: ثمَّ جلس فافترش رجله الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وحد مرفقه الْأَيْمن عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض ثِنْتَيْنِ وَحلق حَلقَة، ورأيته يَقُول هَكَذَا وحلَّق بشر- يَعْنِي ابْن الْمفضل أحد رُوَاته- الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بالسبابة».
وَلَفظ النَّسَائِيّ عَن وَائِل وصف جُلُوس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد قَالَ: «ثمَّ قعد وافترش رجله الْيُسْرَى، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه وركبته الْيُسْرَى، وَجعل حد مرفقه الْأَيْمن عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، ثمَّ قبض اثْنَتَيْنِ من أَصَابِعه وَحلق حَلقَة، ثمَّ رفع أُصْبُعه فرأيته يحركها يَدْعُو بهَا».
وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن وَائِل قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حلق بالإبهام وَالْوُسْطَى وَرفع الَّتِي تَلِيهَا يَدْعُو بهَا فِي التَّشَهُّد».
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ «وَحلق حَلقَة ودعا هَكَذَا- وَأَشَارَ سُفْيَان يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة أحد رُوَاته- بِأُصْبُعِهِ السبابَة» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ «ثمَّ حلق الْوُسْطَى بالإبهام وَأَشَارَ بالسبابة».
وَلَفظ ابْن حبَان «وَجمع بَين إبهامه وَالْوُسْطَى وَرفع الَّتِي تَلِيهَا يَدْعُو بهَا».
ومدار الحَدِيث كُله عَلَى عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَاصِم كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ. وَعَاصِم من فرسَان مُسلم وَالسّنَن. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أفضل أهل الْكُوفَة، كَانَ من الْعباد. قَالَ أَحْمد: وَلَا بَأْس بحَديثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَالح. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد.
وَهنا فَائِدَة حَدِيثِيَّةٌ، وَهِي أَن العواصم فِي حفظهم شَيْء. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء: قَالَ ابْن علية: من كَانَ اسْمه عَاصِمًا كَانَ فِي حفظه شَيْء. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: مَا وجدت رجلا اسْمه عَاصِم إِلَّا وجدته رَدِيء الْحِفْظ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: كل عَاصِم فِيهِ ضعف. وَأنكر ابْن حبَان عَلَى من أطلق الضعْف عَلَى العواصم، فَقَالَ فِي تَارِيخ الثِّقَات: قد وهم من أطلق الضعْف عَلَى العواصم كلهم حَيْثُ قَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا عَاصِم إِلَّا وَهُوَ ضَعِيف من غير دلَالَة تثبت عَلَى صِحَة مَا قَالَه.
فَائِدَة: وَائِل من كبار الْعَرَب وَأَوْلَاد مُلُوك حمير، كنيته أَبُو هِنْد، ترك الْكُوفَة وعاش إِلَى أَيَّام مُعَاوِيَة، وَوَائِل- أَي: ابْن حجر- بِضَم أَوله- وَالْعرب تَقول عِنْد الْأَمر تنكره: حجرا لَهُ- بِالضَّمِّ- أَي: دفعا، وَهُوَ استعاذة من الْأَمر، وَيَقُولُونَ: حُجر بِاللَّه من كَذَا.

.الحديث الحَادِي بعد الْمِائَة:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض أَصَابِعه كلهَا، وَأَشَارَ بالأصبع الَّتِي تلِي الْإِبْهَام».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك كَمَا سبق.

.الحديث الثَّانِي بعد الْمِائَة:

عَن ابْن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله كَانَ يضع إبهامه عِنْد الْوُسْطَى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَلَفظه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قعد فِي الصَّلَاة جعل قدمه الْيُسْرَى بَين فَخذه وَسَاقه، وفرش قدمه الْيُمْنَى، وَوضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قعد يَدْعُو وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة، وَوضع إبهامه عَلَى أُصْبُعه الْوُسْطَى، ويلقم كَفه الْيُسْرَى ركبته». وَعند البرقاني: «كَانَ إِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ افترش الْيُسْرَى، وَنصب الْيُمْنَى، وَوضع إبهامه عَلَى الْوُسْطَى وَأَشَارَ بالسبابة، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وألقم كَفه الْيُسْرَى ركبته».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: وَنحن نجيز مَا فِي حَدِيث وَائِل، ونختار مَا فِي حَدِيث ابْن عمر، ثمَّ ابْن الزبير لثُبُوت خبرهما وَقُوَّة إِسْنَاده ومزية رِجَاله ورجحانهم فِي الْفضل عَلَى عَاصِم بن كُلَيْب رَاوِي حَدِيث وَائِل. وَاعْلَم أَن لفظ الرَّافِعِيّ «عِنْد الْوُسْطَى»، وَلَفظ الحَدِيث «عَلَى الْوُسْطَى»، وَبَينهمَا فرق؛ فَتَأَمّله وَلَعَلَّه تحرف عَلَيْهِ.

.الحديث الثَّالِث بعد الْمِائَة:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قعد فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وَعقد ثَلَاثًا وَخمسين، وَأَشَارَ بالسبابة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك كَمَا سلف.

.الحديث الرَّابِع بعد الْمِائَة:

عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر وضع الْيَدَيْنِ فِي التَّشَهُّد، قَالَ: ثمَّ رفع أُصْبُعه فرأيته يحركها يَدْعُو بهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد صَحِيح، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون مُرَاده بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَة بهَا لَا تَكْرِير تحريكها؛ فَيكون مُوَافقا لحَدِيث ابْن الزبير- يَعْنِي: الْآتِي بعده.

.الحديث الخَامِس بعد الْمِائَة:

عَن ابْن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُشِير بالسبابة وَلَا يحركها، وَلَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ إِذا جلس فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بالسبابة وَلم يُجَاوز بَصَره إِشَارَته».
وَوَقع فِي جَامع المسانيد لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَمرَاده أَصله لَا قَوْله «وَلم يُجَاوز بَصَره إِشَارَته»؛ فَإِنَّهُ لم يُخرجهَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يُشِير بِأُصْبُعِهِ إِذا دَعَا وَلَا يحركها» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو كَذَلِك، ويتحامل بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى». وَفِي رِوَايَة لَهُ «لَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «كَانَ إِذا جلس فِي الثِّنْتَيْنِ أَو الْأَرْبَع يضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ «كَانَ إِذا تشهد وضع يَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة لَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته».

.الحديث السَّادِس بعد الْمِائَة:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد: السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل...» إِلَى آخِره.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا عَنهُ قَالَ: «كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد: السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، السَّلَام عَلَى فلَان. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَقولُوا السَّلَام عَلَى الله؛ فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، قَالَ أَصْحَابنَا: فِي هَذَا الحَدِيث دليلان عَلَى وجوب التَّشَهُّد الْأَخير: أَحدهمَا: قَوْله: «قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد» فَدلَّ عَلَى أَنه قد فرض.
وَثَانِيهمَا: قَوْله: «وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله...» وَهَذَا أَمر، وَظَاهره الْوُجُوب، وَلم يثبت شَيْء صَرِيح فِي خِلَافه.

.الحديث السَّابِع بعد الْمِائَة:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة إِلَّا بِطهُور وَالصَّلَاة عَلّي».
هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب الْمُهَذّب أَيْضا وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ، وَهُوَ فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شمر، عَن جَابر قَالَ: قَالَ الشّعبِيّ: سَمِعت مَسْرُوق بن الأجدع يَقُول: قَالَت عَائِشَة: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا تقبل صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عَلّي» ثمَّ قَالَ: عَمْرو وَجَابِر ضعيفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَقد أسلفت ذَلِك فِي بَاب الْأَحْدَاث أَيْضا.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده سهل بن سعد مَرْفُوعا: «لَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته» وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أُبَيِّ بن عَبَّاس بن سهل بن سعد، عَن أَبِيه، عَن جده: «لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ، وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى الْأَنْصَار».
وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: «لَا وضوء لمن لم يصل عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ: لم يخرج هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرطهمَا؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا عَن عبد الْمُهَيْمِن، وَإِنَّمَا ذكرته شَاهدا.
قلت: مَا قصرا فِي ذَلِك؛ فَإِن عبد الْمُهَيْمِن واه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضَعِيف لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. وَهَذِه التَّرْجَمَة- وَهِي عبد الْمُهَيْمِن- أهملها ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَهِي أحد مَا يسْتَدرك عَلَيْهِ، وَقد ضعفه هُوَ فِي تَحْقِيقه وَأما أبي بن عَبَّاس فَهُوَ من فرسَان البُخَارِيّ، وَإِن ضعفه ابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة: أخْشَى أَن يكون غَلطا؛ فَإِن الحَدِيث من رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن مَعْرُوف- يَعْنِي- بِاللَّفْظِ الأول لَا بِلَفْظ «لَا وضوء لمن لم يصل عَلَى النَّبِي».
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر، عَن أبي جَعْفَر، عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا: «من صَلَّى صَلَاة وَلم يصل فِيهَا عَلّي وَلَا عَلَى أهل بَيْتِي لم تقبل مِنْهُ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه ثمَّ قَالَ: جَابر ضَعِيف، وَقد اخْتلف عَنهُ فَوَقفهُ عَلَى أبي مَسْعُود تَارَة وَرَفعه أُخْرَى. قَالَ فِي علله: وَوَقفه هُوَ الصَّوَاب. قَالَ ابْن دَاوُد: وَهَذَا الْخَبَر إِن سلم أَن يكون من وضع جَابر الْجعْفِيّ فَلَنْ يسلم أَن يكون خلوا من الْحجَّة؛ لما قَالَه الشَّافِعِي.
قلت: الْحجَّة للشَّافِعِيّ أَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَة فِي وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة مِنْهَا حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ وصَحِيح ابْن حبَان ومُسْتَدْرك الْحَاكِم وَمِنْهَا حَدِيث فضَالة بن عبيد فِي جَامع التِّرْمِذِيّ وصَحِيح الْحَاكِم وَقد ذكرتهما فِي تحفة الْمُحْتَاج فِي أَدِلَّة الْمِنْهَاج فَرَاجعهَا مِنْهُ. وَمِنْهَا الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْآتِيَة بتعليم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ، وكل ذَلِك يرد قَول صَاحب الاستذكار حجَّة أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك ضَعِيفَة، وَقَول ابْن الْمُنْذر: لَا أجد الدّلَالَة عَلَى ذَلِك غَرِيب مِنْهُ.

.الحديث الثَّامِن بعد الْمِائَة:

رُوِيَ «أَنه قيل: يَا رَسُول الله، كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صلِ عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آل مُحَمَّد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: أَحدهَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ: أَلا أهدي لَك هَدِيَّة؟ إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج علينا فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، اللَّهُمَّ بَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد».
مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي لفظ «وَبَارك» بدل «اللَّهُمَّ بَارك». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام «سَأَلنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت؟ فَإِن الله قد علمنَا كَيفَ نسلم. قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد».
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله، كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزوَاجه وَذريته كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي وسط كتاب الدَّعْوَات من صَحِيحه، عَن أبي حميد: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذَا السَّلَام عَلَيْك؛ فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم».
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَانَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة فَقَالَ لَهُ بشير بن سعد: أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك يَا رَسُول الله فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ فَسكت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله. ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد، وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم» رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ «اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَعَلَى آل مُحَمَّد».
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذَا السَّلَام عَلَيْك؛ فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات من صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم».
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن طَلْحَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَيفَ نصلي عَلَيْك يَا نَبِي الله؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد».

.الحديث التَّاسِع بعد الْمِائَة:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين كَأَنَّهُ عَلَى الرضف».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأحمد فِي الْمسند وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَى شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة هَل تذكر من عبد الله شَيْئا؟ قَالَ: لَا. وَأما رِوَايَة أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: «خرجت مَعَ أبي لصَلَاة الصُّبْح...» فضعفه أَبُو حَاتِم؛ بل قيل أَنه ولد بعد أَبِيه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور، وَأعله الذَّهَبِيّ الْحَافِظ فِي اختصاره للمستدرك بِوَجْه آخر فَقَالَ: ينظر فِي سعد بن إِبْرَاهِيم رَاوِيه عَن أبي عُبَيْدَة، هَل سمع مِنْهُ؟.
قلت: قد ثَبت التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي هَذَا الحَدِيث فِي جَامع التِّرْمِذِيّ والمعجم الْكَبِير للطبراني فَزَالَ هَذَا التَّعْلِيل.
تَنْبِيه: وَقع فِي كِفَايَة ابْن الرّفْعَة عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق ابْن عَبَّاس، وَلم أره فِيهِ إِلَّا من الطَّرِيق الَّذِي ذكرته،، وَالظَّاهِر أَنه سبق قلم.
فَائِدَة: الرضف- بِفَتْح الرَّاء، وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ثمَّ فَاء-: الْحِجَارَة المحماة.

.الحديث العَاشِر بعد الْمِائَة:

حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «فِي التَّشَهُّد».
هُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ عَنهُ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن» وَفِي لفظ: «كَمَا يعلمنَا الْقُرْآن فَكَانَ يَقُول: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّافِعِي تنكير السَّلَام فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ كَذَلِك فِي الْأُم وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه فِي إِحْدَى روايتيه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى غَيره تعريفهما وهما صَحِيحَانِ.
قلت: لَا شكّ وَلَا مرية فِي ذَلِك كَمَا قد أسلفته. وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه تَعْرِيف السَّلَام الأول وتنكير الثَّانِي، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ أَبُو الزبير. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي الزبير تَعْرِيف الثَّانِي وتنكير الأول؛ فَهَذِهِ أَربع رِوَايَات فيهمَا.
وَوَقع فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي أَن السَّلَام وَقع مُعَرفا فِي تشهد ابْن مَسْعُود، ومنكرًا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس والتعريف أَعم. وَقد عرفت أَن التَّعْرِيف رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من حَدِيثه كَمَا بَينته، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ «وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» وَقَالَ فِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ كَمَا عزاها إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ «وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ: «وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
فَائِدَة: صرح الرَّافِعِيّ بِأَن حذف الصَّلَوَات والطيبات لم يرد، وَهُوَ خلاف مَا نَقله النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب من سقوطهما؛ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب: يتعيَّن لفظ التَّحِيَّات؛ لثبوتها فِي جَمِيع الرِّوَايَات بِخِلَاف المباركات وَمَا بعْدهَا، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْقَاط الصَّلَوَات، وَالله أعلم.

.الحديث الحَادِي عشر بعد الْمِائَة:

حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «فِي التَّشَهُّد».
هُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيثه «كُنَّا نقُول فِي الصَّلَاة خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّلَام عَلَى الله، السَّلَام عَلَى فلَان، فَقَالَ لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم: إِن الله- عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ السَّلَام؛ فَإِذا قعد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين؛ فَإِذا قَالَهَا أَصَابَت كل عبد لله- عَزَّ وَجَلَّ- صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، ثمَّ يتَخَيَّر من الْمَسْأَلَة مَا شَاءَ». وَفِي رِوَايَة لَهما: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّشَهُّد كفي بَين كفيه كَمَا يعلمني السُّورَة من الْقُرْآن...» واقتص التَّشَهُّد بِمثل مَا سلف.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «كُنَّا نقُول: التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونُسمي وَيسلم بَعْضنَا عَلَى بعض، فَسَمعهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّات لله قَالَ فِيهِ: فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم عَلَى كل عبد صَالح...» إِلَى آخِره. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة قُلْنَا: السَّلَام عَلَى الله من عباده، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَقولُوا السَّلَام عَلَى الله؛ فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله...» الحَدِيث، وَفِيه: «ثمَّ يتَخَيَّر من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل، السَّلَام عَلَى مِيكَائِيل، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان». وَفِيه: «ثمَّ يتَخَيَّر بعد من الْكَلَام مَا شَاءَ». ذكرهَا فِي الاسْتِئْذَان. وَفِي رِوَايَة لَهُ «ثمَّ يتَخَيَّر من الثَّنَاء مَا شَاءَ» ذكرهَا فِي الدَّعْوَات وَفِي الاسْتِئْذَان أَيْضا، وَزَاد فِيهِ بعد قَوْله: «وَرَسُوله وَهُوَ بَين ظهرانينا، فَلَمَّا قبض قُلْنَا: السَّلَام عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَفِي رِوَايَة للنسائي: «سَلام علينا» بالتنكير، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وأشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه «سَلام عَلَيْك» وَفِي رِوَايَة «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».